لماذا نجحت إسرائيل في «تفجيرات البيجر» وفشلت في منع هجوم «حماس»؟

الخليج : متابعات
مع التقييمات المتواترة عن مدى براعة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المنسوب لها تنفيذ عملية واسعة النطاق لتفجير أجهزة اتصالات حزب الله (تفجيرات البيجر) وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف من عناصره، فقد دفع ذلك بعض المحللين الإسرائيليين لمحاولة الإجابة عن التساؤل الذي يطرح نفسه: إذا كانت هذه الأجهزة تتمتع بالقدرة الفائقة، فلماذا فشلت في مواجهة وإحباط هجوم حماس غير المسبوق في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي ما زالت تداعياته مستمرة حتى الآن، بل تهدد بحرب شاملة في المنطقة، ستضطر خلالها إسرائيل للحرب على أكثر من جبهة.
وقبل عام عانت إسرائيل أسوأ فشل استخباراتي على الإطلاق عندما شنت حماس هجوماً مفاجئاً أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة، لكن الأيام الماضية نسب لها تنفيذ عملية ناجحة استهدفت أجهزة استدعاء واتصالات حزب الله، فيما يرى محللون أن هذا التحول يعكس أين وكيف استثمرت إسرائيل وقتها ومواردها على مدى العقدين الماضيين. منذ خوض حرب مع حزب الله في عام 2006، إذ كثفت إنفاقها لصراع كبير محتمل مع «الحزب».
وعلى النقيض من ذلك، كان يُنظر إلى حماس باعتبارها تهديداً أقل قوة بكثير. وحتى قبل وقت قصير من هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، كان كبار المسؤولين الإسرائيليين يرفضون الإشارات إلى وجود هجوم وشيك. بل في سبتمبر/ أيلول الماضي، قالت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بثقة: إن غزة في حالة من «عدم الاستقرار»، وخلصت التقييمات الاستخباراتية إلى أن حماس حولت تركيزها نحو تأجيج أعمال العنف في الضفة الغربية وأرادت الحد من خطر الانتقام الإسرائيلي المباشر.
ـ الهجوم لا الدفاع ـ
وتقول كارميت فالينسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والخبيرة في شؤون الميليشيات اللبنانية لصحيفة وول ستريت جورنال: «كان الكثير من تركيزنا ينصب على الاستعداد للمواجهة مع حزب الله.. لقد أهملنا إلى حد ما الساحة الجنوبية وتطور الوضع مع حماس في غزة».
أما الخبير أفنير جولوف، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي فيقول: إن نجاح إسرائيل ضد حزب الله مقارنة بفشلها فيما يتعلق بحماس يأتي لأن الأجهزة الأمنية في إسرائيل أفضل في الهجوم من الدفاع.
ويضيف جولوف، أن «جوهر العقيدة الأمنية الإسرائيلية هو جلب الحرب إلى العدو.. مع غزة، كان الأمر مختلفاً تماماً. لقد فوجئنا، لذلك كان الأمر فاشلاً».
وتراقب إسرائيل تراكم ترسانة حزب الله منذ أن وقع الجانبان هدنة في عام 2006 بعد حرب استمرت شهراً. وفي ذلك الوقت، أصيب الكثيرون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بخيبة أمل إزاء أداء الجيش في الحرب، حيث فشل في إلحاق أضرار كبيرة بحزب الله، الذي بدأ في إعادة بناء وتأمين مواقعه في جنوب لبنان. ونتيجة لذلك، سعى الجيش الإسرائيلي إلى فهم حزب الله بشكل أفضل وخنق الدعم العسكري والمالي.
وفي غزة، على النقيض من ذلك، تبنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استراتيجية احتواء حماس في السنوات الأخيرة، معتقداً أن الجماعة الفلسطينية تركز على حكم غزة ولم تكن مهتمة بحرب مع إسرائيل. وقد خاض الجانبان سلسلة من الصراعات القصيرة بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في عام 2007، وبدت الحركة أكثر اهتماماً بتحسين الظروف الاقتصادية للشعب الفلسطيني.
وكانت هناك دلائل على أن حماس كانت تخطط لشن هجوم، بما في ذلك التدريبات العسكرية التي أنذرت بالطرق التي اقتحمت بها إسرائيل في 7 أكتوبر. ولكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية اعتبرت هذه المناورات بمنزلة تهديد لجمهور حماس في الداخل، إذ شعر الجيش الإسرائيلي بالثقة في قوة الجدار العازل المتقدم تكنولوجياً الذي أقامه لفصل غزة.
ـ معضلة غزة ـ
ويشير عوزي شايع، مسؤول المخابرات الإسرائيلية السابق: إن جمع المعلومات الاستخبارية من مصادر بشرية، والتي كان من الممكن أن تحذر من وقوع هجوم، أصبح أكثر صعوبة بعد انسحاب إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة في عام 2005 وتحويله إلى السيطرة الفلسطينية.
وقال شايع: «إن القدرة على خلق استخبارات بشرية في غزة في منطقة كثيفة وصغيرة للغاية، حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً، وحيث يتم التعرف إلى أي شخص غريب على الفور، تجعل العمل المخابراتي هناك صعباً جداً». لكن على العكس من ذلك نوعاً ما فإنه يسهل الوصول إلى الأشخاص المرتبطين بحزب الله خصوصاً خارج لبنان.
لكن على الرغم من الجهود الطويلة التي بذلتها إسرائيل لإضعاف الحشد العسكري لحزب الله، فقد تمكن من جمع ترسانة هائلة يمكن نشرها في الحرب. ويدرس حزب الله الآن كيفية الرد على سلسلة الهجمات الإسرائيلية المدمرة. وأطلق أول صاروخ له على تل أبيب الأربعاء، وهو الرد الأكثر جرأة حتى الآن، لكنه لم يقترب من استخدام جميع قدراته، والتي يبدو أنها جاهزة في حال اندلاع عملية برية أو حرب شاملة.
وتشير الخبيرة فالينسي، كبيرة الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن النجاحات التي حققتها إسرائيل مؤخراً ربما تجعلها تشعر بالثقة المفرطة. وأضافت أن غزو لبنان بقوات قد يمنح حزب الله الفرصة لإثبات تفوقه العسكري على الأرض. وأوضحت: «لقد رأينا مدى صعوبة القضاء على منظمة معقدة مثل حماس.. وحزب الله قصة مختلفة».
ورغم سلسلة من الهجمات الإسرائيلية العنيفة وغير المسبوقة في لبنان قد دفعت حزب الله خلال الأسبوعين الماضيين إلى بذل جهود مضنية لمعرفة الثغرات الأمنية التي نفذت من خلالها إسرائيل عمليات مؤثرة ضده، مع أن ذلك لم يحقق أي تقدم استراتيجي لإسرائيل، والتي ربما تسعى لاتخاذ قرار الاجتياح البري للحد من قدرات حزب الله، ولكن ذلك سيكون مهمة شاقة جداً وستكلف إسرائيل الكثير.

Exit mobile version