أخبار العالم

جيش مجهد وجبهة قوية.. سيناريو العملية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان

إعداد ـ محمد كمال
رغم أن إطلاق حزب الله لصاروخ باليستي ثقيل على تل أبيب عملية غير مسبوقة منذ تصاعد الصراع مؤخراً، فإن المحللين الإسرائيليين يعتبرون ذلك مجرد رسالة أراد الأمين العام للحزب حسن نصرالله الإعلان من خلالها عن مدى قدرات حزبه، لكن المؤشر على بداية نشوب حرب شاملة، عندما يكثف إطلاق مثل هذه الصواريخ، في ظل استعداد إسرائيل راهناً لتنفيذ اجتياح بري لجنوب لبنان تدربت قواتها عليه لشهور واستدعت لأجله لواءين من قوات الاحتياط.
وبعد ما يقرب من عام من القتال في غزة، تكثف إسرائيل ضرباتها على جنوب لبنان وخصوصاً معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية، سبقها عمليات سرية استهدفت أجهزة الاتصالات وحملة قصف شرسة خلفت مئات القتلى، لكن رئيس الأركان الإسرائيلي اعتبر كل ذلك مجرد تمهيد لعملية برية محتملة قد تنذر بحرب شاملة حرفياً، خصوصاً إذا تدخلت أطراف دولية أخرى لدعم طرفي النزاع.
سيناريو العملية البرية
يشير الخبراء العسكريون الإسرائيليون إلى أن الجيش الإسرائيلي لن يتمكن أبداً من ضمان القضاء التام على قوات الرضوان التابعة لحزب الله وقدراته العسكرية بالقرب من الحدود من خلال الضربات الجوية وحدها.
وفي غياب اتفاق لوقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية، قد يلجأ الجيش الإسرائيلي إلى عملية برية محدودة لإجبار خصمه على الابتعاد عن الحدود وضمان أمن المستوطنات في شمال إسرائيل.
وقالت ميري آيسن، الزميلة البارزة في المعهد الإسرائيلي الدولي بجامعة ريشمان والعقيد السابق في الجيش الإسرائيلي، لصحيفة نيويورك تايمز، إنه يمكن إصدار أمر بتوغل بري محدود لضمان عدم تمكن حزب الله من تنفيذ أي شيء مماثل لهجوم حماس في 7 أكتوبر. وقالت «أعتقد أن هناك احتمالاً لتوغل بري، لأننا في النهاية نحتاج إلى تحريك قوات حزب الله (بعيداً عن الحدود).»
ويقع مصب نهر الليطاني، الذي يستخدم غالباً كعلامة تقريبية لتوضيح المنطقة العازلة النظرية، على بعد 18 ميلاً من الحدود، ولكن في بعض الأماكن يقع على بعد ميلين من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.
وقال الرائد موشيكو جيات، من القوات الخاصة الإسرائيلية لصحيفة التلغراف إنه يعتقد أن عمق هذه المنطقة العازلة سيكون حوالي من 6 إلى 12 ميلاً. ولكن حتى عملية محدودة مثل هذه من شأنها أن تشكل مشروعاً عسكرياً كبيراً، وتنطوي على مخاطر كبيرة.
وبالاستناد إلى الاستراتيجية المستخدمة في الصراعات السابقة، من المرجح أن تشمل مثل هذه العملية عدة فرق من الجيش الإسرائيلي، مع تقديرات تشير إلى أن هناك حاجة إلى ما بين 10 آلاف إلى 30 ألف جندي لتطهير المنطقة وإقامة منطقة عازلة واضحة.
وقالت أمل سعد، وهي باحثة لبنانية في شؤون حزب الله ومقرها في جامعة كارديف، عن الجماعة: «إنها قادرة للغاية، وأود أن أقول أكثر فعالية من إسرائيل، عندما يتعلق الأمر بالحرب البرية، والهجوم تحت الأرض، وقد رأينا ذلك في عام 2006»، وفقاً لصحيفة التليغراف.
لكن مؤسس منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي، العميد السابق في الجيش الإسرائيلي أمير أفيفي، يصر على أن مثل هذه العملية ستكون أكثر من سهلة، مشيراً إلى أن الأمر سيستغرق «بضعة أسابيع» لتطهير المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من قوات حزب الله. مبرراً ذلك بأن «لبنان ليس مكتظاً بالسكان مثل غزة، والبلدات والقرى في جنوب لبنان خالية تماماً. لن يكون الأمر معقداً كما رأينا في غزة». كما قال إنه ستكون هناك ضغوط هائلة داخل لبنان على حزب الله لكي يتوقف.
بينما قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأسبوع الماضي إن التوغل البري سيحول جنوب لبنان إلى فخ موت للمقاتلين الإسرائيليين، مضيفاً أن قواته يمكن أن تقاتل القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان وتطلق الصواريخ على شمال إسرائيل في نفس الوقت.
الجيش المجهد والجبهة الثانية
ومع كل ما تتمتع به إسرائيل من قدرات عسكرية تفوق كثيراً ما لدى حزب الله، فقد أدى القتال ضد حماس إلى إجهاد الجيش الإسرائيلي، حيث لم يتلق الجنود سوى القليل من الراحة، وتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن النقص في الجيش، كما يواجه الاقتصاد الإسرائيلي أكبر انخفاض له منذ سنوات، وتزايد الضغوط الشعبية من أجل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة، ما يطرح التساؤلات بشأن قدرة إسرائيل على فتح جبهة حرب جديدة، ضد قوات أكثر تنظيماً وعدداً وعتاداً من حماس.
ويقول الخبراء العسكريون إنه إذا دخلت إسرائيل في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، فإنها ستواجه تهديداً أقوى بكثير من حماس، وبتكاليف أكثر ارتفاعاً، رغم أن احتمال تحقيق حزب الله لنصر عسكري ضد إسرائيل خلال المواجهات صعب جداً، وبالطبع سيكون هدفه الرئيسي هو جر إسرائيل لحرب استنزاف وتهديد المدن الإسرائيلية لزيادة الضغط الشعبي على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف القتال.
ويؤكد يوئيل جوزانسكي، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، والذي خدم في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تحت رئاسة ثلاثة رؤساء وزراء: «حزب الله ليس حماس.. ويتمتع بقدرات عسكرية أكثر تطوراً بكثير».
وفي حين تحسنت القدرات العسكرية الإسرائيلية منذ حربها الأخيرة في لبنان في عام 2006، عندما لم تكن تمتلك بعد نظام القبة الحديدية الدفاعي فإن ترسانة حزب الله أيضاً تحسنت.
قدرات حزب الله
يقدر المحللون العسكريون أن لدى حزب الله حوالي 50 ألف جندي، لكن زعيمه حسن نصر الله قال في وقت سابق من هذا العام إن لديه أكثر من 100 ألف مقاتل وجندي احتياطي. ويُعتقد أيضاً أن الجماعة تمتلك ما بين 120 ألفاً و200 ألف صاروخ وقذيفة.
ويعد أكبر أصول حزب الله العسكرية هو الصواريخ الباليستية طويلة المدى، والتي تشير التقديرات إلى أن لديها الآلاف منها، بما في ذلك 1500 صاروخ دقيق يتراوح مداها بين 250 و300 كيلومتر.
ويشير ⁠بهنام بن طالبلو، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن إلى أن «وزن الرأس الحربي لهذه المقذوفات يذكرنا بصاروخ بركان IRAM الثقيل الذي تم تقديمه لأول مرة في الشتاء الماضي ضد إسرائيل من قبل حزب الله، ولكن على مدى أطول بكثير».
وتمتلك إسرائيل جيشاً متفوقاً إلى حد كبير على حزب الله، لكن الحزب يتفاخر بصواريخ يصل مداها إلى 500 كيلومتر، أي قادرة على استهداف كل المدن الإسرائيلية، وإن كان يتعين عليها لتحقيق هذا الهدف تجاوز نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي «القبة الحديدية» لإحداث أضرار.
الدعم الأمريكي
قالت أورنا مزراحي، الخبيرة في شؤون حزب الله في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن الكثير من قدرة إسرائيل على خوض حرب على جبهتين تعتمد على الدعم الأمريكي. وأضافت: «يستطيع الجيش الإسرائيلي القتال على الجبهتين لفترة طويلة، ولدينا القدرات للقيام بذلك إذا حصلنا على الذخيرة من الأمريكيين»، وأضافت أنه إذا اندلعت حرب واسعة النطاق، فإن إسرائيل لن تتمكن من ذلك. ومن المرجح أن تتدخل الولايات المتحدة لدعم إسرائيل.
وأكدت مزراحي: «عندما تقاتل على أكثر من جبهة واحدة، لا يمكنك الاستثمار كثيراً في كل جبهة.. لذلك ستكون طريقة مختلفة للقتال»، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الأسبوع الماضي إن «مركز الثقل يتحرك شمالاً»، وإن «القوات والموارد والطاقة» يتم تحريكها الآن.
ومن بين تلك الوحدات فرقة النخبة 98 الإسرائيلية. ويُعتقد أن فرقة المظليين هذه، المعروفة أيضاً باسم أوتزبات هايش، تتكون من 10,000 إلى 20,000 جندي، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية.
وقال جوزانسكي إن تحويل الموارد نحو لبنان لا يعني أن حرب غزة قد انتهت، لكن نتنياهو يشعر بأنه مضطر للتعامل مع الجبهة الشمالية وسط تصاعد الضغوط الداخلية لتسهيل عودة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من المنطقة.
كما ذكر محللون ومسؤولون عسكريون في وسائل الإعلام الإسرائيلية مراراً وتكراراً أن الجيش الإسرائيلي يعاني نقصاً.
وفي بداية الحرب مع حماس، قام الجيش بتجنيد حوالي 295 ألف جندي احتياطي في محاولة لتعزيز قوته البشرية. لكن هذا العدد أثبت أنه غير كاف. كما أثر القتال في غزة وأماكن أخرى على الجنود، حيث قتل 715 منهم حتى الآن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك في الشمال.
وقال غوزانسكي: «هذه هي أطول حرب من نوعها في تاريخ إسرائيل»، مضيفاً أن هذا هو هدف حزب الله «إضعاف إسرائيل تدريجياً».
الاقتصاد الإسرائيلي ضحية الحرب
وكان الاقتصاد الإسرائيلي أحد أكبر ضحايا الحرب في غزة، حيث تلقى ضربة قوية منذ الأيام الأولى لهجوم 7 أكتوبر. وعانت الآلاف من الشركات عندما تخلى جنود الاحتياط عن حياتهم المدنية لحمل السلاح، ويتقلص اقتصاد البلاد بمعدل ينذر بالخطر.
ويأتي انكماش الاقتصاد مع ارتفاع الإنفاق العسكري الإسرائيلي بشكل كبير. وفي وقت سابق من هذا العام، حذر أمير يارون، محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، من أنه من المتوقع أن تكلف الحرب إسرائيل ما يصل إلى 253 مليار شيكل إسرائيلي (67 مليار دولار) بين عامي 2023 و2025، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية. وهذا يمثل ما يقرب من 13% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، بالإضافة إلى الإنفاق العسكري العادي، الذي بلغ سنوياً 4.5% إلى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
أزمة شرعية
يقول الخبراء إن الجبهة الثانية، خاصة تلك التي يحتمل أن تشكل ضرراً أكبر للبنان من إسرائيل، يمكن أن تكون القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للعديد من الدول التي تنتقد بالفعل الحرب الإسرائيلية في غزة. بعدما تحول التعاطف العالمي الذي تلقته إسرائيل في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول مباشرة إلى انتقادات حادة بسبب رد فعل إسرائيل المدمر، حيث تواجه الآن اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في المحاكم الدولية.
وعلى المستوى الداخلي، فبينما أظهر الإسرائيليون شهية أعظم للقتال في بداية الحرب على غزة، تظهر استطلاعات الرأي أن الدعم المحلي تضاءل على مدى الأشهر الماضية. وفيما يتعلق بدعم الحرب مع حزب الله، يبدو أن الإسرائيليين منقسمون بشأن هذه المسألة.
وأظهر استطلاع نشره معهد الديمقراطية الإسرائيلي في يوليو أن 42% من الإسرائيليين يعتقدون أن على بلادهم أن تسعى إلى اتفاق دبلوماسي مع حزب الله، على الرغم من احتمالات نشوب صراع إضافي في المستقبل، بينما يعتقد 38% أن إسرائيل يجب أن تسعى إلى تحقيق نصر عسكري. ضد الجماعة، حتى على حساب أضرار جسيمة في المناطق المدنية.
الحل الدبلوماسي ومخرج حزب الله
أثار العنف المتزايد بين إسرائيل وحزب الله مخاوف المراقبين الدوليين من أن الصراع قد يتطور إلى حرب إقليمية تجتاح الشرق الأوسط. ويرى العديد من المحللين أن التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة هو السبيل الرئيسي لإنهاء الأعمال العدائية في لبنان في الوقت نفسه.
وهذا يمثل لحزب الله طريق خروج من الأزمة، بل يمكن أن يسمح لزعيمه حسن نصر الله بالقول إن مواجهة إسرائيل لعبت دوراً في دعم محنة الشعب الفلسطيني ووضع حد للحرب على بعد 180 كيلومتراً إلى الجنوب.
لكن البروفيسور أندرياس كريج، كبير المحاضرين في الدراسات الأمنية في جامعة كينغز كوليدج في لندن، أعرب عن شكوكه، قائلاً لصحيفة ديلي ميل «نحن بعيدون عن التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض في غزة، ولا أرى أن حكومة نتنياهو تقدم أي تنازلات». والأكثر من ذلك أن العديد من المحللين والمراقبين يتهمون نتنياهو بأن له مصلحة شخصية في مواصلة الحرب في غزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى