«التعاون والتنمية».. الاقتصاد العالمي يظهر مرونة وتحسناً تدريجياً

متابعة: أحمد البشير

أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في تقريرها الصادر لشهر سبتمبر 2024 بعنوان «نحو الاستقرار»، إلى أن الاقتصاد العالمي استمر في إظهار مرونة واضحة في النصف الأول من العام، مع تحسن تدريجي في العديد من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية. وتتوقع المنظمة أن يستقر النمو الاقتصادي العالمي عند 3.2% في عامي 2024 و2025، وذلك بفضل التراجع المستمر في معدلات التضخم وارتفاع الدخل الحقيقي وتحسن السياسة النقدية في العديد من الاقتصادات الكبرى.
وأفاد التقرير أن بعض الدول مثل الولايات المتحدة، الهند، البرازيل، وإندونيسيا حافظت على نمو اقتصادي قوي خلال الفترة الماضية. وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الأمريكي معدل نمو قدره 2.6% في عام 2024، متباطئًا قليلاً في عام 2025 ليصل إلى 1.6%. ويعود هذا التباطؤ إلى تأثير تخفيف السياسة النقدية الذي يتوقع أن يحفز الإنفاق الاستهلاكي ويعزز الدخل الحقيقي.
وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يساهم تعافي الدخل الحقيقي وزيادة توافر الائتمان في نمو اقتصادي يقدر بـ 0.7% في عام 2024 و1.3% في عام 2025.
الصين
أما الصين، التي شهدت تباطؤاً اقتصادياً في ظل تراجع الطلب الاستهلاكي واستمرار التصحيح في قطاع العقارات، فمن المتوقع أن تسجل نمواً اقتصادياً بنسبة 4.9% في عام 2024 و4.5% في عام 2025، حيث تحاول الحكومة الصينية دعم الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق الحكومي.
الهند وإندونيسيا
وشهدت الهند وإندونيسيا نمواً اقتصادياً مستداماً، حيث حافظت الهند على زخم قوي في الطلب المحلي، مما ساعدها على تحقيق نمو يُتوقع أن يبلغ 6.7% في العام المالي 2024-2025، مع توقعات بارتفاعه إلى 6.8% في 2025. أما إندونيسيا، فقد استقرت على مسار نمو ثابت بفضل الطلب المحلي القوي، حيث يُتوقع أن يصل النمو إلى 5.1% في 2024 و5.2% في 2025. في المقابل، أظهرت روسيا أداءً مفاجئاً، حيث من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الروسي نموا بنسبة 3.7% في 2024، مدعوماً بإيرادات الصادرات رغم التحديات الجيوسياسية. أما ألمانيا، فقد عانت من تباطؤ في النمو، حيث يُتوقع أن تسجل نمواً متواضعاً بنسبة 0.1% فقط في 2024، متأثرةً بضعف الاستثمار الصناعي وارتفاع معدلات الادخار في القطاعين المنزلي والخاص.
التضخم العالمي
ويؤكد التقرير أن التضخم العالمي سيواصل اتجاهه التنازلي، مع توقعات بأن تعود معدلات التضخم إلى المستويات المستهدفة في معظم دول مجموعة العشرين بحلول نهاية عام 2025. ويُتوقع أن ينخفض معدل التضخم الرئيسي في دول مجموعة العشرين من 5.4% في عام 2024 إلى 3.3% في عام 2025. ومن المتوقع أن يشهد التضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة تراجعاً إلى 2.7% في عام 2024 و2.1% في عام 2025، مما يساعد على تحسين القوة الشرائية للأسر وتعزيز الطلب الاستهلاكي.
وفيما يتعلق بالتضخم في الاقتصادات الناشئة، لا تزال التوقعات تشير إلى استمرار الضغوط التضخمية في بعض الدول مثل الأرجنتين وتركيا، رغم التوقعات بانخفاضه التدريجي. ومن المتوقع أن يظل التضخم في هذه الدول عند مستويات عالية نسبياً، مما يفرض تحديات إضافية على استقرار الأسعار.
وشهدت التجارة العالمية انتعاشاً في النصف الأول من عام 2024، حيث زادت أحجام التجارة في السلع والخدمات. ويعود هذا الانتعاش إلى ارتفاع الطلب في الولايات المتحدة والاقتصادات الناشئة مثل الهند والصين. كما استفادت التجارة من تحسن الاستثمار في المعدات في الولايات المتحدة، إلى جانب التحسن في الديناميات التجارية في الأسواق الناشئة الرئيسية مثل الصين ودول آسيا الديناميكية.
وعلى الرغم من المؤشرات الإيجابية، يحذر التقرير من استمرار التحديات الاقتصادية. ويظل التوتر الجيوسياسي المستمر أحد أكبر المخاطر التي تهدد الاستقرار الاقتصادي، حيث قد تؤدي النزاعات التجارية والجغرافية إلى تباطؤ الاستثمار وارتفاع أسعار الواردات. وإضافة إلى ذلك، قد تؤدي أي تباطؤ غير متوقع في أسواق العمل إلى تباطؤ اقتصادي أشد مما هو متوقع.
من جهة أخرى، يحذر التقرير من المخاطر المرتبطة بالأسواق المالية. في حال عدم تحقيق المسار السلس المتوقع لتراجع التضخم، فقد تتعرض الأسواق المالية لتقلبات حادة، مما قد يؤدي إلى زيادة في تكاليف الاقتراض وزيادة الضغوط على الشركات المثقلة بالديون.
ويرى التقرير أن هناك مجالاً لتخفيف السياسة النقدية تدريجياً في العديد من الاقتصادات الكبرى، حيث من المتوقع أن يستمر خفض أسعار الفائدة مع تراجع التضخم. ومع ذلك، يحذر التقرير من أن أي تخفيف في السياسة النقدية يجب أن يتم بحذر وبناءً على بيانات دقيقة لضمان استدامة السيطرة على الضغوط التضخمية.
وعلى الصعيد المالي، يشدد التقرير على أهمية اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان استدامة الدين العام. وتحتاج الحكومات إلى احتواء الإنفاق وتعزيز الإيرادات لتحافظ على قدرتها على التعامل مع الصدمات المستقبلية. تحسين إدارة الميزانيات وتنفيذ إصلاحات ضريبية فعّالة تعد من الأولويات الملحة للعديد من الاقتصادات.

Exit mobile version