لبنانيو الجنوب يرفضون الحرب وإسرائيليو الشمال يؤيدونها.. من يدفع فاتورة أغلى؟

إعداد ـ محمد كمال
على وقع دوي صفارات الإنذار، والغارات الجوية، والرشقات الصاروخية، يعيش كل من سكان العاصمة اللبنانية بيروت، ومستوطنو شمال إسرائيل أوضاعاً مقلقة، لكن رغم ذلك فإن مواقف كلا الطرفين متباينة بشأن احتمال وقوع الحرب الشاملة، أو حتى استمرار المعارك على الوضع الحالي، بالنظر إلى اختلاف الكلفة التي يتحملها أي منهما.

وبينما يعيش سكان شمال إسرائيل بعد أن تم إجلاؤهم من المناطق الحدودية مع لبنان في ملاجئ آمنة، فقد أيد معظمهم استمرار الحرب حتى إزالة تهديدات حزب الله المستمرة منذ ما يقارب العام، فيما عبر سكان بيروت عن مخاوفهم من الأضرار التي قد تسببها الغارات المدمرة، خصوصاً في ظل عدم وجود ملاجئ تستوعبهم، أو أي أماكن أخرى قد توصف بالآمنة من الغارات الإسرائيلية المكثفة.

ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية الساعات الماضية، فقد أصبح احتمال تحول الصراع إلى حرب شاملة كبيراً، بينما أضحت الضربات التي تغلف بيروت فجأة واقعاً حقيقياً مأسوياً بالنسبة للعديد من السكان. وبدأ الأمر برسائل أرسلتها إسرائيل إلى محطات الراديو وبعض الهواتف المحمولة في بيروت الاثنين، تحذر فيها من عمل عسكري وشيك. وجاء فيه «الجيش الإسرائيلي سوف يتحرك ضد القواعد العسكرية.. لا نريد أن نؤذيكم.. إذا كنتم في مبنى يستخدمه حزب الله، فعليكم المغادرة»، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
وأثارت هذه التحذيرات قلقاً في أنحاء بيروت، وخصوصاً في الضواحي الجنوبية معقل حزب الله. وهرع أولياء الأمور إلى المدارس لاصطحاب أطفالهم. وبحلول وقت مبكر من بعد الظهر الاثنين خرجت طوابير السيارات والدراجات النارية من محطات الوقود وشوارع المدينة مع فرار العديد من السكان، على أمل العثور على ملجأ في الجبال الشمالية في لبنان. وتجول آخرون في ممرات محال البقالة الخالية في الغالب.
ومع توالي رسائل التحذير والأنباء عن أكثر من 1000 غارة جوية إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان. اعتقد الكثيرون، الذين أرهقتهم عقود من الصراعات، أنهم يعرفون ما سيأتي. وقال ضاهر أمدي (34 عاماً):«إنها حرب».
وأصبح سكان بيروت، على حافة الهاوية بشكل متزايد مع تكثيف إسرائيل غاراتها، ويخشى العديد من السكان، من أن المدينة سوف تنزلق قريباً إلى حرب شاملة. وتقول جويل ناصر (44 عاماً):«أنا خائفة، أنا خائفة.. لست مستعدة إذا حدث شيء ما».
في حي الطريق الجديدة، في غرب بيروت، يقول حبيب بزي (75 عاماً) وهو يتابع أنباء الغارات إنه خرج من منزله ليأخذ استراحة من مشاهد الدمار الذي لا نهاية لها على ما يبدو. وأضاف:«أنا حزين القلب.. ماذا يمكنني أن أقول»؟
في متجر خارج الضاحية الجنوبية لبيروت تقول ميرنا، 38 عاماً إن معظم جيرانها فروا من الحي إلى منازل أقاربهم في أجزاء أخرى من المدينة أو في شمال لبنان. لافتة إلى أنه قبل أيام فقط، هزت الضاحية انفجارات أدت إلى مقتل العديد من كبار قادة حزب الله وهي إشارة لما سيأتي. وقالت:«أخبرت زوجي أننا يجب أن نغادر، يجب علينا بالتأكيد أن نغادر قريباً».
وتقول إحدى السيدات «الموت قريب جداً، أشعر بالقلق من أنه قريب جدًا». ولكن على الرغم من يقينها بأن الحرب قادمة، فإنها لم تكن تعرف ما إذا كان من الآمن المغادرة أو البقاء، أو إلى أين ستذهب إذا فروا من المدينة. وقالت:«أي قرار أتخذه قد لا يكون القرار الصحيح، ولست متأكدة من أي شيء».
وعلى هذه الخلفية، فإن معظم اللبنانيين ليس لديهم الرغبة في خوض حرب كبيرة أخرى.
وقالت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، إن الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان عبر الحدود أدت إلى نزوح أكثر من 111 ألف شخص.

ـ موقف المستوطنين ـ
أما على الجانب الآخر الآمن نوعاً ما، يقول الإسرائيليون الذين تم إجلاؤهم من المجتمعات الواقعة على الحدود مع لبنان، وبعضهم ممن تحدوا الأوامر وبقوا، إنهم يؤيدون حرباً أخرى مع حزب الله. وتقول شيلي (60 عاماً) إنها تشعر بالإحباط بسبب 11 شهراً من تبادل الصواريخ ومحادثات وقف إطلاق النار الفاشلة.
وتقول باركان إن معظم سكان المستوطنة التي كانت فيها والبالغ عددهم 8000 نسمة تم إجلاؤهم إلى منازل وفنادق مدعومة من الدولة الإسرائيلية في مدن مثل القدس وطبريا، أو إلى منازل أفراد الأسرة في مناطق أخرى. وأضافت أنه من بين ما يقرب من 300 شخص بقوا، هناك نحو 100 منهم يخدمون في الحكومة المحلية أو الأمن المسلح.
وحتى مع انتشار المزيد من القوات الإسرائيلية بالقرب من المستوطنة بدأ بعض الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في العودة إلى ديارهم. رغم توالي التنبيهات على هواتفهم من رشقات صاروخية على مستوطنات مثل كريات شمونة وبلدات أخرى. وتقول المستوطنة ليمور زينور: «آمل أن تكون هناك حرب إذن سيتحقق هناك هدوء».
وأجلت إسرائيل نحو 67 ألف شخص من مستوطنات في الشمال منذ بداية الحرب، بحسب مركز تاوب، وهو مجموعة بحثية. واختار نحو 11 ألف شخص البقاء. وقد غادر آلاف آخرون المستوطنات المحيطة بغزة.
وقد تعرضت المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على خط المواجهة، مثل المطلة والمنارة، لأضرار بالغة لدرجة أن العديد من السكان ليس لديهم منازل يمكنهم العودة إليها. بل وعبر الكثير منهم عن شعورهم بالإهمال من قبل الحكومة.
ـ سبب تباين المواقف ـ
وبينما يظهر اللبنانيون شبه مشتتين في العاصمة بيروت، لا يعرفون إلى أين يذهبون أو كيف يوفرون ما يلزمهم وسط خشية من عدم قدرة المستشفيات على توفير الرعاية اللازمة، فإن الإسرائيليين على الجانب الآخر شبه آمنين في ملاجئ ومبان محمية، بينما المستشفيات المحصنة تحت الأرض على أهبة الاستعداد لاستقبال أي مصابين محتملين. وهو ما يظهر إلى حد ما سبب التضارب في موقف كلا الطرفين بشأن الحرب الشاملة.

Exit mobile version