أخبار العالم

تصاميم منازل حديثة تبتعد عن الهوية والتراث الإماراتي

تحقيق: حصة سيف

أكد مهندسون ومختصون بالهندسة المعمارية أن تصاميم المنازل الأكثر نجاحاً هي تلك، التي تستخدم فيها المواد القريبة من الطبيعة والأنظمة المحافظة على الاستدامة، وتكون هندستها ملائمة لثقافة المجتمع، وتستغل فيها المصادر الطبيعية للإضاءة والطاقة بشكل عام. 
أشار خبراء في الهندسة إلى أن المنازل القديمة، التي كان الهواء يتجدد فيها يومياً، وتدخلها الشمس وتستغل فيها الإنارة الطبيعية، عبر النوافذ الخاصة للإنارة، أكثر استدامة، وتتوفر فيها معايير الصحة النفسية، محذرين من الأخطاء الهندسية في تصاميم المنازل الأسرية، التي تكلف مادياً وتبعدنا عن الاستدامة، ونصح الخبراء باستخدام الأنظمة القديمة، كالفناء الداخلي، الذي يسهم بدرجة كبيرة في تلطيف حرارة الجو في المنزل. 

الصورة

«شرفات» لا يجلس فيها أحد
وأكد الدكتور المهندس محمد محمود الحرم، خبير دراسات إسكانية في برنامج الشيخ زايد للإسكان، التابع لوزارة الطاقة والبنية التحية، أن المنزل الملائم لثقافة المجتمع تتوفر فيه الاستدامة طبيعياً وتلقائياً، مشيراً إلى كثير من الأخطاء، التي يرتكبها أصحاب المنازل في اختيارهم لتصاميم غير مناسبة لمجتمعنا، مثلاً نرى حالياً «الشرفات» في المنازل السكنية، وهي لا تناسب مجتمعنا ولا يجلس فيها أحد، إنما جاءتنا تقليداً من الخارج وهي لا تناسبنا، لذلك نجدها إما مهجورة أو حولت إلى مخازن أو أغلقت بالزجاج، لذلك كلما كان تصميم المنزل ملائماً للثقافة الشعبية المحلية، كان أكثر استدامة، كذلك لا بد أن يلائم الطقس والمناخ. وأضاف: ثاني الأخطاء الفادحة في تصميم المنازل في الإمارات اختيار التصميم، الذي تكون واجهته ذات فتحات كبيرة مغطاة بالزجاج، وهو تصميم لا ينفعنا، وأجد تلك المنازل من أفشل المباني، فهي جاذبة للشمس ويصعب تنظيفها، وبيئتنا جافة ولا يناسبنا الزجاج، مؤكداً أن تجنب إنشاء الشرفات أو «البلكونات» والفتحات الزجاجية الكبيرة في واجهات المنازل هما أهم نقطتين تقودان للمحافظة على الاستدامة. 
الشمس والفناء الداخلي 
وأوضح خبير الدراسات الإسكانية، أن أفضل جهة للمنزل هي أن تكون واجهته على «الشمال»، كي يتجنب معظم أشعة الشمس، وأسوأ واجهة هي باتجاه الجنوب، خاصة المدخل. كما أن استخدام المواد القريبة من البيئة من أهم معايير الاستدامة، فكلما كانت المواد قريبة من البيئة، كلما كانت أكثر استدامة، إذ إن الطابوق والطين أفضل من الألمنيوم والزجاج. مضيفاً أن أهم تصميم هندسي ناجح للمنازل السكنية هو الفناء الداخلي، الذي تطلّ عليه الغرف والمطبخ ومرافق المنزل، إذ تقلّ فيه درجة الحرارة ويصبح الجو لطيفاً، معظم اليوم باستثناء ساعات الظهر، وطبقنا تصميم الفناء الداخلي في مجمع الخوانيج في دبي، واستشعر أهالي المنازل انخفاض درجة الحرارة، لأن الشمس لا توجه أشعتها المباشرة إلى داخل الفناء، وهو ما يساعد على تلطيف الجو، وأتمنى أن ينتشر ذلك التصميم كي تصبح منازلنا أكثر استدامة، وتنعكس إيجابياً على صحتنا. 
أنظمة قديمة صديقة للبيئة 
المهندس رشاد بوخش، رئيس مجلس إدارة جمعية التراث العمراني، قال: إن الهندسة المعمارية القديمة لمنازلنا في الإمارات كانت صديقة للبيئة وصحية، إذ يُستغل «البارجيل» في كييف المنزل، وتُستغل النوافذ للإضاءة ولتغيير هواء الغرفة، بتصميم النافذة مقابل الباب المفتوح على الفناء، وبذلك يتغير هواء الغرف بمجرد فتح النوافذ والأبواب.
وأوضح: كانت البراجيل في الماضي، تغلق بألواح من خشب أو تغلق من الأعلى ب«الجصّ»، في الشتاء، حين لا يلزم استخدامها بسبب برودة الطقس، ولمنع دخول مياه الأمطار منها، وحالياً يمكن عمل البراجيل وإضافة الفلاتر «المرشحات» لها، أو عمل مفاتيح تغلق وتفتح بواسطتها، كما يمكن عمل فتحة واحدة فقط في البارجيل لإدخال الهواء، ومازال «البرجيل» يُستخدم حتى في الدول المتقدمة، التي أخذتها من هندستنا المعمارية التراثية. 
أضاف بوخش: كانت العمارة الإماراتية القديمة تتضمن تشكيلاً هندسياً للتهوية، يسمى «مسقط»، وهو جداران متوازيان، بينهما 15 سم، يصمم ضمن الجدار فوق الأسطح، لإدخال الهواء البارد حين ينام الأهالي فوق السطح، وكذلك يستخدم داخل الغرف لإدخال الهواء والإنارة الخفيفة، كما كان من أهم عناصر التصميم الهندسي القديم «فناء المنزل»، والغرف مفتوحة على هذا الفناء، فيتجدد بذلك الهواء، حيث كانت التهوية طبيعية ولا توجد مكيفات، والإنارة طبيعة عبر النوافذ الخاصة للإنارة. 
واستطرد: أما مواد البناء في الماضي، فكانت تستخدم الصخور المرجانية ومادتي الطين والجصّ، وتلك المواد مسامية تحافظ على الحرارة الدافئة في الشتاء، والبرودة صيفاً، وتعد أفضل من «الكونكريت»، لكنها لا تستخدم حالياً، لصعوبة وجودها بكميات كبيرة، ويستخدم بديلها «الطابوق الطيني»، لكن بشكل محدود لارتفاع سعره. 
استغلال المصادر الطبيعية 
وأكد المهندس بوخش، أن درجة الحرارة في الدولة، من نوفمبر إلى فبراير، أو إلى مارس، يعتدل خلالها الجو، ولا حاجة إلى تشغيل المكيفات، إذ تُفتح النوافذ والأبواب، وبذلك نحافظ على الطاقة، ونستغل الأجواء المعتدلة، والمهندس الناجح يستطيع أن يهندس «المنزل»، بحيث يستغل كل المصادر الطبيعية المتاحة، ويستغل كل التقنيات والأشكال الهندسية والمواد المستخدمة، لتكون المنازل صديقة للبيئة، وتحافظ على الصحة العامة. وأوضح أن جمعية المحافظة على التراث العمراني في الإمارات، تسعى من ضمن خططها إلى نشر التوعية عبر الندوات والمحاضرات، للمحافظة على الاستدامة في البناء المعماري. كما أن جمعية المهندسين أطلقت «مسابقة التميز الهندسي»، التي من أهم عناصرها المحافظة على الاستدامة في التصاميم الهندسية. 
وظيفة بصرية وبدائل حديثة 
وقال المهندس المعماري الدكتور محمد جكة المنصوري: إن استخدام «البارجيل» في الهندسة القديمة للمباني كان الحل الأمثل لتلطيف الجوّ وإدخال الهواء إلى داخل فناء المنزل، إذ كانت له وظيفة مناخية، وتحول حالياً من الوظيفة المعمارية إلى وظيفة بصرية، حفاظاً على الشكل والهندسة الوطنية القديمة، وتوجد معالجات مناخية حديثة لتقليل استخدام التيار الكهربائي وجعل المساكن والمباني صديقة للبيئة. 
وأوضح أن استخدام «البارجيل» في الوقت الحالي قد يكون غير مناسب، بعدما حاول الكثير تحديثه وجعله موائماً للمباني الحديثة، لكنه بقي مصدراً للغبار والأتربة، وفشلت محاولات التغلب على تلك المشكلة، فقد وضع بعضهم نوافذ تفتح وتغلق على منافذ البارجيل، لكنها غير عملية ولم تنجح، حيث يدخل الغبار والأتربة مع الهواء إلى داخل المبنى والمنزل. 
وأضاف المنصوري: كان الأهالي يستغلون مرور الرياح الصيفية، وخاصة في «المصايف»، وهي المناطق الزراعية، التي يقضون فيها فصل الصيف، مثل الغب والقصيدات والحديبة والحيل، في رأس الخيمة، أما حالياً فيستخدم المهندسون الأنظمة المستدامة في المباني، كالعزل الحراري للجدران والتكييف الأخضر، الذي يستخدم فيه الغاز الصديق للبيئة، أما السخانات فتعمل بالطاقة الشمسية، لتقليل استخدام التيار الكهربائي. 
الصحة النفسية

مهرة آل مالك

مهرة آل مالك، أخصائية علاج نفسي، أشارت إلى أن تصميم المنزل لا بد أن يأخذ في الحسبان أهمية وجود الشمس في المنزل، وتجديد الهواء في الغرف، وتوفر الإنارة الطبيعية. موضحة أن وصف المنزل «شرحاً» أي واسعاً، أو كئيباً، يعتمد على التصميم والمساحات المفتوحة والألوان. والمنازل القديمة كان فيها الكثير من المساحات، مثل «الليوان»، الذي يعطي امتداداً، ويجدد الهواء في الغرف، ويتيح الإنارة الطبيعية في النهار، وكلها تساعد على تعزيز الراحة النفسية.
وأوضحت أن المساحات الضيقة والألوان الغامقة تؤثر سلباً في «النفسية»، ولا بد أن يراعي المهندسون وأصحاب المنازل كل تلك المعايير في اختيار التصاميم الهندسية المنزلية. مضيفة أن الحدائق المنزلية، بما فيها من الألوان الطبيعة الخضراء وصوت الماء في النوافير، توفر بيئة صحية تساعد على الاسترخاء والاستمتاع بأوقات منزلية جميلة مع الأسرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى